لا توجد قوانين او شرائع تجيز لبلد ما انتاج سلاح معين وتحرّم على بلد آخر انتاج ذلك السلاح. وبالتالي، فأي حديث عن منع وتحريم اسلحة محددة على دول معينة يرتبط مباشرة بواحد من ثلاثة احتمالات: ان الدولة المحرومة قبلت بذلك الحرمان ووقعت على مواثيق تقر ذلك لسبب او لآخر، او ان دولة خالفت اتفاقا ثنائيا او جماعيا يحرم على الجميع انتاج او اختبار ذلك السلاح، او غير ذلك من الاتفاقيات. والاحتمال الثالث للحديث في شأن المنع، هو بلطجة دولة او دول قوية على غيرها حتى تحتفظ بالتفوق لسبب او لاخر، وهذا ما يكثر الحديث بشأنه هذه الايام.
في البداية يجب الاشارة الى قبول النظام العراقي، الحالي، بقرارت للامم المتحدة بعد حرب الخليج، تمنع البلاد من انتاج صواريخ بعيدة المدى وأي اسلحة كيماوية او بيولوجية او نووية، وقد قبل العراق نظام تفتيش دولياً على هذه الاسلحة. النظام العراقي، حتى الان، لم يكن يطالب بالغاء تلك القرارات او بسحب توقيعه ولكنه يتظلم، وعن حق، من الاجراءات. اما قرار الامم المتحدة الجديد فقد اتخذ بسبب عرقلة تنفيذ القرارات السابقة لسبب او لآخر، وفي النهاية سيكون على النظام العراقي تحمل مسؤولية قبول، وبالتالي تطبيق تام للقرار، او الرفض بما يحمله من نتائج.
في الحالة الثانية التي يكثر الحديث عنها في الشأن التسليحي النووي، وهي كوريا الشمالية، يجب ايضاً تذكر ان النظام الحاكم قد وقع اتفاقاً مع الولايات المتحدة عام 1994، ينص على تجميد البرنامج النووي الكوري مقابل منافع محددة، ولكن كوريا أخلت بالاتفاق وواصلت تطوير ذلك البرنامج سرا. هنا ايضاً، لا تؤكد كوريا حقها في مواصلة البرنامج ولكنها الآن تريد التوقف الفعلي عنه مقابل توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع الولايات المتحدة، وذلك على غرار تعهد الرئيس الاميركي كيندي لموسكو بعدم الاعتداء على كوبا مقابل سحب الاتحاد السوفياتي لصواريخه النووية من الجزيرة القريبة على البر الاميركي.
يبدو جلياً ان واشنطن تتقدم تجاه تصويب هجومها نحو دول اخرى في الشرق الاوسط. هنا ايضاً علينا تذكر ان الولايات المتحدة تتصرف رسمياً كشرطي دولي يعرف انه منحاز واناني، ولكنه ينفع في بعض الحالات ويضر في غيرها. بالطبع فالضرر لطرف هو منفعة لاخر والعكس صحيح. لذلك فالمنطقي الحكم على المواقف حسب قانونيتها وشرعيتها الدولية، وبدون التظلم التلقائي.
اذا كانت دولة شرق اوسطية قد وقعت مثلاً على اتفاقية عدم انتاج واستعمال السلاح الكيماوي او النووي، فلا يمكنها رفض رقابة دولية، حتى لو كانت بايعاز اميركي ولصالح اسرائيل. ولا يمكن ايضاً القول ان اسرائيل العدوانية تنتج ذلك السلاح، ففي النهاية اسرائيل لم توقع على الاتفاقية، ولم تكره احداً على توقيعها. هذه الابجديات مهمة لاننا نخلط الحابل بالنابل دوماً ونصرخ ان العالم ضدنا. من يوقع على اتفاقية عليه احترامها وتحمل مسؤوليات مخالفتها، دون مقارنة الذات مع دولة لم توقع، او اخرى اخذت حق الانتاج عندما فرضت الامر الواقع.
الدول النووية الرسمية التي فرضت نفسها هي ذاتها الخمس دائمة العضوية في الامم المتحدة، والتي تملك كل منها حق الفيتو. وكانت الولايات المتحدة اول من طور واختبر واستعمل السلاح النووي مع نهاية الحرب العالمية الثانية. الدول النووية الاخرى من العالم الثالث، هي الهند وباكستان، بينما اسرائيل لم تعلن عن نفسها رسمياً كدولة نووية. وهناك دول صناعية قبلت بالحرمان النووي العسكري مثل المانيا واليابان كتكفير عن افعالهما في الحرب العالمية الثانية. بينما سويسرا والنمسا تعتبران حياديتين وترفضان التسلح النووي. يشار بهذا الصدد الى ان واشنطن دفعت للان، ثلاثة مليارات دولار، وستدفع اجمالي خمسة مليارات حتى عام 2005، لنزع وتدمير بعض الاسلحة النووية من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وهي روسيا واوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان، وقد تم التخلص من تسعة الاف رأس نووي والف صاروخ بعيد المدى وصواريخ عابرة للقارات تستعمل من الغواصات، واغلقت حوالي مائتين من انفاق الاختبارات النووية. كل ذلك تم برضى تلك الدول التي لم تعد قادرة على دفع كلفة صيانة وتأمين تلك الاسلحة النووية الروسية الملكية، واوكلت الامر للاميركان.
الدول المتهمة بالسعي لتطوير السلاح النووي، الى جانب العراق وكوريا، هي ايران وليبيا وسورية. منذ نهاية اكتوبر هذا العام عادت اسرائيل لتسرب للرأي العام الاميركي اخباراً عن وجود علماء ذرة عراقيين في الجماهيرية الليبية، وهذه مقدمة لحملة توريط يراد الوصول عبرها الى تجريم ليبيا بدون اثبات قانوني. وكان الترويج الاسرائيلي قد دفع بوكيل وزارة الخارجية الاميركية، في العاشر من اكتوبر، لاعلان قلق بلاده من البرامج الصاروخية والنووية لسورية، ولايران ودول اخرى «لازالت تستفيد من التكنولوجيا والخبرة الروسية».
يجب التذكير هنا، بأن ايران والدول العربية قد وقعت على اتفاقية منع انتشار السلاح النووي، ولكن اسرائيل لم توقع عليها للان، ولكنها اكتفت بالتوقيع على اتفاقية حظر التجارب النووية (جربت قنابلها مع جنوب افريقيا العنصرية). وهذه الاتفاقية ـ منع التجارب ـ لم توقع عليها بعض الدول العربية للان! ملخص المعاهدة لمنع الانتشار العسكري النووي، يقر بمنع انتشار الاسلحة النووية او تقنيتها، وعدم المساعدة على تطويرها لدى الغير، والاتفاق على التخلص النهائي منها في العالم... ولكن الاتفاقية لم تحدد زمناً ونهجاً وآلية للتخلص من الاسلحة النووية. ولان الطاقة النووية مفيدة سلمياً، فلم يُمنع تطويرها للاغراض السلمية، واقيمت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لتراقب المفاعلات والبرامج النووية لكل الدول المئة وسبع وثمانين الموقعة على الاتفاقية، وقد نفذت الوكالة في عام 2000، ما يقارب من 2500 عملية تفتيش ورقابة عبر العالم. اسرائيل ليست عضواً في الوكالة ولم توقع على الاتفاقية، ولم ينجح العرب في دفع العالم لفرض رقابة على برامجها النووية، وهذه عموماً قصة اخرى.
لقد اخذت اسرائيل القانون بيدها، ودمرت منذ عقدين مفاعل العراق النووي قرب بغداد، والذي اقيم بدعم فني فرنسي لاغراض سلمية. ومنذ ذلك الحين، وهي تلح على موسكو وتضغط عليها عبر الولايات المتحدة لوقف التعاون العلمي النووي مع طهران. وقد اعلن الشهر الماضي عن عرض اميركي مغر لموسكو حتى توقف بناء مفاعل بوشهر النووي الايراني.
الدول العربية «المتهمة» بالسعي لامتلاك السلاح النووي في مخالفة لتعهداتها، عليها اثبات سلمية برامجها عبر عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يرأسها محمد البرادعي. الى جانب ذلك يمكن مواصلة السعي لنزع السلاح النووي من كل الاقليم، ونقد تباطؤ الدول النووية في التخلص من اسحلتها، حسب ما جاء في الاتفاقية. من الضروري عدم الانزلاق في المطب الاسرائيلي واللجوء للعناد غير المبرر، والذي قد يوحي بإخفاء اشياء غير موجودة اصلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق