"سيناء" في قلب المخططات الصهيونية
■ دولة سيناء أوشك قيامها في عام 1902 وما تزال تلوح في الأفق
■ عبد الحميد: مصر تحتاج لوقفة قوية لحماية حدودها في سيناء من المخططات الصهيونية
■ مختار: توطين المصريين في سيناء كفيل بإفشال المخططات الصهيونية
الحقيقة الدولية ـ مركز الدراسات والبحوث
لم يكن في مخيلة اليهود الاستيطان في فلسطين، بل البحث عن أي قطعة ارض أخرى تقع تحت سيطرة التاج البريطاني الذي كان في حينه دولة عظمى يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي عبر البحار، حيث أن فكرة استيطان اليهود في أي أرض تحكمها بريطانيا خصوصا أن حبل الود كان موصولا جدا بين زعماء بريطانيا وزعماء الحركة الصهيونية في حينه.
واتجهت الأنظار في وقت مبكر من القرن التاسع عشر إلى الأرجنتين وأوغندا ومناطق أخرى تحكمها بريطانيا، كان بالإمكان إقامة كيان يهودي فيها، إلا أن انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في سويسرا اتجهت عينا هذا المؤتمر إلى بريطانيا سيدة بحار العالم لطرح الموضوع جديا على المسؤولين البريطانيين وخصوصا أنه رافق حياة اليهود في أوروبا مشاكل عامة مع كل شعوب أوروبا، ما أدى إلى انزوائهم في العواصم الأوروبية ضمن حارات شبه مقفلة يمارسون فيها حياتهم بشيء كبير من الابتعاد عن نسيج المجتمعات في البلدان الأوروبية، مما ساعد المؤتمر الصهيوني الأول على التزام الإلحاح على بريطانيا للبحث لهم عن قطعة ارض يعيشون فيها كشعب ثبت انه منبوذ من كافة الشعوب الأوروبية بما رافق الطبع اليهودي من صعوبة انسجام مع هذه الشعوب ذلك لان اليهود أسرفوا على أنفسهم بفعل كل ما هو سيء ومكروه ومنبوذ من شعوب أوروبا إلى الحد الذي استحال فيه الانسجام مع النسيج الاجتماعي الأوروبي، الأمر الذي دفعهم بشدة إلى البحث عن وطن أينما كان في ظل الإمبراطورية البريطانية في حينه.
ويقول رئيس المؤتمر الصهيوني في حينه تيودور هرتزل في مذكراته "انجلترا العظيمة والحرة... انجلترا التي تنظر بعيونها إلى كل البحار هي التي سوف تفهمنا وتدرك أهدافنا وان الفكرة الصهيونية تزداد علوا وشأنا من هذا المكان بالذات (لندن)".
وقد سهل الصحافي اليهودي جاكوب جريتمبرغ الوثيق الصلة بوزير المستعمرات البريطاني جوزيف تشمبرلين في حينها، لقاء هرتزل به، وروى هرتزل ان الوزير البريطاني قال له "إنني كوزير في الحكومة التي يرأسها آرثر جيمس بلفور مستعد لمنحكم أي جزء من الممتلكات البريطانية في أنحاء العالم".
ويضيف هرتزل ان الوزير البريطاني نهض ليلقي نظرة على خريطة أمامه للتحقق من المنطقة التي طرحها هرتزل مكانا لاستيطان اليهود، وعندما تبين موقع مدينة العريش المصرية في سيناء على الخريطة قال الوزير البريطاني ان هذا لا يقع ضمن دائرة اختصاصي، وأي مفاوضات في هذا الشأن يجب ان تتم مع اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر".
وبناء على اقتراح الوزير البريطاني يلتقي هرتزل بوزير الخارجية البريطاني لاست تراون ويوافق الوزير على فكرة هرتزل ويبدي استعداده لكتابة رسالة إلى كرومر في هذا الشأن وإرسال الصحافي اليهودي للقاهرة لمتابعة الموضوع.
وروى هرتزل في مذكراته عام 1902 قائلا "استلمت أمس جواب الماركيز لاست تراون وهو وثيقة تاريخية هامة يخبرني فيها الوزير البريطاني ان اللورد كرومر يقول ان مشروع شبه جزيرة سيناء سيكون مكانا محتملا للتحقيق ان وجدت الظروف الراهنة مواتية (...) ويقول سأرسل بعثة إلى هناك (سيناء) مكونة من المهندس المعماري مرموك والمهندس كستلر والبروفسور روزمبرغ وهو احد خبراء الزراعة في فلسطين وعالم الهندسة جي بنج وبراملي من السودان الذي أوصى به كرومر لهذه البعثة، وعلى أساس هذه الانجازات يتحتم على اللورد اليهودي روتشيلد ان يعطي جمعية الاستعمار اليهودية مليونين أو ثلاثة ملايين جنية إسترليني على الأقل للشركة اليهودية الشرقية المنوط بها تنفيذ المشروع والباقي بالاكتتاب".
ويقول أيضا "ربما استطعنا ان نروي الصحراء من النيل عن طريق خط أنابيب بسيط، لكن هذا مستحيل بسبب قناة السويس لان الماء يجب ان يضخ من فوق علو السفن أو من تحت القناة على عمق كبير وهذه الطريقة الثانية تبدو أسهل كثيرا أو ان يؤخذ الطمي على سفن لينتقل إلى العريش او تبنى سفن خاصة يصفى فيها الطمي ويرسب في أعماقها وينقل إلى العريش".
ويضيف هرتزل "عاد خريمبرغ من القاهرة حيث أحرز نجاحا تاما وقد كسب اللورد كرومر حاكم مصر إلى صفنا".
صحيفة "اجبشن جازت" المصرية نشرت في 24 أيار العام 1903 أسماء قائمة المسافرين الذين وصلوا على السفينة النمساوية سميراميس في ذلك التاريخ وعددهم 23 مسافرا واسم الدكتور هرتزل يتذيل القائمة.
ولم يضع هرتزل وقته في القاهرة بل انه بدأ حال وصوله بالاتصالات التي تساعده على إتمام المشروع الصهيوني المرتقب.
ويكتب في مذكراته انه قابل كرومر بعد وصوله القاهرة بيومين وانه تحدث معه عن مد خط للسكة الحديد في صحراء سيناء في نقطة على الساحل الشرقي لقناة السويس الى أطرافها شرقا وشمالا وجنوبا، وقال لكرومر "إننا نحتاج الى مياه النيل بالذات لأنه شريان الحياة لمشروعنا الاستيطاني في صحراء سيناء والنقب".
وتوصل هرتزل الى مشروع اتفاقية مع الحاكم البريطاني في مصر للحصول على امتياز الاستيطان في شبه جزيرة سيناء على ان تمنح الحكومة المصرية هرتزل او الشركة التي يؤسسها او يرشحها لتنفيذ المشروع الحق في امتلاك الأرض الكائنة شرق السويس وللشركة الحق في استغلال هذه الأراضي كشيء تملكه على ان يصبح المستعمرون اليهود القادمون الى المنطقة الممنوحة عن طريق الشركة الصهيونية من الرعايا المحليين، كما يصرح للشركة بإنشاء الموانئ في تلك الأراضي ولها حق الحصول على رسوم الموانئ والمنائر".
توسع ديموغرافي
ومن الثابت إذن ان مشروع تحويل مياه النيل وعقد اتفاقية لمدة 99 عاما لتوطين يهود أوروبا في سيناء، وعلى الرغم من نجاحه في لندن وفي المباحثات الأولية في القاهرة، إلا ان وليام جارستون وكيل وزارة الأشغال العمومية في مصر قال ان "المشروع مخالف لسياسة المستعمرات البريطانية" واعتمد تقرير السير جارستون على أسباب فنية جعلته يرفض مشروع سحب مياه النيل الى سيناء.
ويلاحظ ان الزعماء المصرين كالزعيم مصطفى كامل ومحمد فريد خلت مذكراتهما من أي إشارة الى هذا الموضوع الخطير الذي كان سيشارك المصريين في مياههم ويقتطع مساحات من الأراضي من صحراء سيناء التي مساحتها حوالي 80 ألف كيلومتر مربع وبما تتميز به من موقع استراتيجي حاضرا ومستقبلا لأي توسع ديمغرافي مصري تحتاجه حكومة القاهرة الى التوسع في ارض سيناء خصوصا وأنها أراض تزخر بالنفط والمعادن والموقع الاستراتيجي الهام كموقع واصل بين شرق الوطن العربي وغربه، وبين أفريقيا واسيا، الى ان نجح اليهود في الحصول على الوعد البريطاني المسمى بوعد بلفور بالنظر بعين العطف الى اليهود بمنحهم وطنا قوميا في فلسطين، خصوصا ان الحركة الصهيونية نجحت في شراء حاولي مائتي ألف دونم في فلسطين وفي مرج بني عامر بالذات التي يحيط بها حوض نهر الأردن وكميات غزيرة من المياه تتصف بها المنطقة المشار إليها وهنا بدأت مسيرة اتجاه آخر صهيوني مدعوم بالقوة البريطانية العظمى التي وضعت فلسطين وبلاد الشام تحت الوصاية والانتداب البريطاني تسهيلا لإقامة هذا الوطن الصهيوني في فلسطين.
أسرار "كامب ديفيد"
والسؤال الكبير المطروح في هذه الظروف هل ثمة مخطط صهيوني لإقامة نوع من الكيان الفلسطيني في صحراء سيناء الذي كان في الأساس مهيئا لإقامة كيان للصهاينة.
المراقبون والمحللون الإستراتيجيون المصريون أكدوا في تصريحات خاصة لـ "الحقيقة الدولية" أن في اتفاقية "كامب ديفيد" بنودا سرية لمنع توطين المصريين في سيناء، مدللين على أن تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخرا عن سوء التخطيط الحكومي في توزيع السكان والتهجير الى المناطق الصحراوية الحدودية لخريطة مصر السكانية، أشار الى المشروع الذي كان سيتم بمقتضاه تهجير 5 ملايين مصري بحلول عام 2005.
وأكد التقرير ان الحكومة لم تقم إلا بتهجير مليون نسمة فقط داخل المدن الجديدة أما المدن الصحراوية الحدودية فلا يتم العمل بمشروع تخطيطي من اجل سكن المصريين داخل هذه المدن ويرجع ذلك لضعف وسائل المواصلات وعدم الاهتمام بالجانب الزراعي او الاستثمار فيها بالرغم من صدور قرار رقم 632 لسنة 1982 بالاعتداد بالملكية لأراضي سيناء تطبيقا للقانون رقم 143 لسنة 81 بتملك الأراضي الصحراوية إلا ان هناك موانع تحول ذلك من التنفيذ.
ويرى عضو لجنة الإسكان في مجلس الشعب المصري محمد عبد الحميد، أن تضاؤل حجم السكان داخل المناطق الحدودية لمصر خطر على الجانب الأمني والسياسي والاقتصادي والأحداث الحالية في غزة خير دليل على ذلك ففي أثناء حرب 1973 وانتهاء بتحرير سيناء سمعنا وعودا من الحكومة بإقامة العديد من المشاريع الاستثمارية داخل أراضي سيناء، وأشارت الحكومة في برنامجها إلى استصلاح العديد من الأراضي ولكننا وجدنا جمودا بعد ذلك وإيقافا كاملا لمثل هذه المشاريع بالرغم من توافر المياه الجوفية وترعة السلام كمورد للمياه أما بالنسبة للجانب السياسي فهناك ضعف شديد في اتخاذ أي إجراء سياسي من جانب الحكومة المصرية لتهجير المصريين داخل هذه المناطق الحدودية.
وأشار عبد الحميد إلى ان الفلسطينيين في غزة خير مثال على ذلك ومن الممكن ان تأخذ الحكومة المصرية هذا المثال لكي تتحرك بشكل فعلي من اجل تسكين هذه المناطق بالمصريين فبالرغم من محاصرة الجيش الإسرائيلي بمدافعه وجنوده وأسلحته غزة إلا انه لا يجرؤ عل الدخول الى هذه المنطقة الصغيرة.
ويرى عبد الحميد ان خلو هذه المناطق الحدودية من السكان يعطي للعدو الصهيوني الفرصة في تحقيق أهدافه الاستعمارية من النيل الى الفرات وأضاف ان المطامع ليست في الأرض فقط ولكن الحكومة أعطت العدو الصهيوني الغاز والمياه والعديد من الموارد المصرية ولذلك نحن نحتاج الى وقفه قوية لحماية حدودنا المصرية.
اتهام الحكومة المصرية
ورأى عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب المصري عصام مختار، أن فكرة توطين المصريين داخل المناطق الحدودية لمصر يعد حائط صد ضد أي مخطط وخصوصا المخططات الإسرائيلية، ولذلك نحن دائما ننادي بتعمير هذه المناطق بالسكان المصريين وخصوصا منطقة سيناء فيجب العمل على توطين هذه المناطق.
وأكد ان الاتفاقيات التي بيننا وبين العدو لا تمنع ذلك، وأشار مختار ان نسب التكدس السكاني تحيط بمنطقة وادي النيل الضيق ولذلك فمن الأفضل توزيع هذه الكثافة حول هذه المناطق وسيكون لذلك نتائجه الأفضل استراتيجيا ومن حيث توزيع الموارد على السكان ليحصل كل فرد منها على حقه بشكل عادل. ولذلك يجب التفكير بشكل جدي في تعمير هذه المناطق.
واتهم عضو لجنة الإسكان في مجلس الشعب المصري سعد محمد يوسف، الحكومة بان هناك اتفاقيات مع إسرائيل من شأنها خلو المناطق الحدودية من الاستيطان المصري، وأكد ان الحكومة لا تريد تعمير منطقة سيناء وإننا دائما نطالب بسرعة تسكين هذه المناطق وتوفير كافة الوسائل وسبل العيش للسكن فيها وأضاف ان سيناء لها 400 ألف فدان والساحل الشمالي 500 ألف فدان أما توشكي فتصل نسبة الأراضي بها الى 500 ألف فدان وهذا يعادل مليونا ونصف مليون فدان في مصر غير مستغلة ولكن بالرغم من ذلك عندما يتقدم أي شاب لتوفير فدان واحد له من قبل الحكومة وفي وسط كل هذا الكم من الأراضي نجد تضاعف العراقيل أمام هذا الشاب حتى يصرف النظر.
وأكد سعد ان مصر بإمكانها ان تستغني عن استيراد المنتجات الزراعية إذا نظرت الحكومة لمثل هذه المناطق.
خطر على الحدود
وقال مدير مركز يافا للأبحاث والدراسات الدكتور رفعت السيد احمد: مما لا شك فيه ان المدن الحدودية لها بعد استراتيجي على الأمن القومي وخصوصا المدن التي على الحدود الليبية وكذلك الحال بالنسبة لأراضي سيناء لقربها من العدو الصهيوني ولكن تضاؤل دور الدولة في وضع الإمكانيات والتسهيلات للعيش هناك جعل هذه المناطق والمدن تندر فيها نسبة السكان بل تكاد تنعدم وكل ذلك يؤثر بشكل سلبي وخطير على الكيان والسياسة المصرية.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية ليس لديها موانع من تعمير هذه المدن الحدودية من الزراعة وتنشيط حركة التجارة فيها فهذا ما نصت عليه معاهدة كامب ديفيد التي نصت على عدم وضع قيود لهذه المناطق وخصوصا منطقة سيناء ولكن القيد الوحيد هو عدم وضع قواعد عسكرية ولذلك لا يوجد مبرر لعدم استيطان هذه المنطقة من المصريين.
وأوضح ان هذه المناطق تسكنها أعداد قليلة من البدو وهم لضعف إمكانياتهم بسطاء وذلك فليس هناك موانع لتهجير العنصر المدني هناك وأكد ان الجندي المصري على الحدود يعاني الأمرين بمجرد العودة من هناك ولكن سيتغير الحال عندما يشعر ان أهله وأقاربه يحيطون به وانه يدافع عن وطنه وأرضه ومصدر رزقه.
وأوضح عضو لجنة الإسكان في مجلس الشعب المصري إبراهيم أبو عوف، أن المدن الحدودية تشكل خطرا بالغا للدولة نسبة لجميع أنحاء العالم وليس الأمر يقتصر على مصر فحسب لأننا نعلم عدونا الوحيد "إسرائيل" لذلك نؤكد ان الخطر يكمن داخل سيناء وقربها من حدود المعسكرات الإسرائيلية أما باقي المدن الحدودية الأخرى فهي لا تشكل خطرا كبيرا ولكن خطرها في انتشار تجارة المخدرات والعشوائيات وغير ذلك ومن الممكن السيطرة عليها بتقوية الأمن داخل هذه المناطق.
وأضاف أبو عوف ان فشل الحكومة في تغطية هذه المناطق من توفير كافة احتياجات المواطن المصري للسكن والاستيطان بها جعل هذه المناطق خالية من التجمعات السكنية وتشكل خطرا على الأمن القومي في المستقبل.
ورأى ان مخطط الحكومة لتعمير سيناء والمناطق الحدودية الأخرى كان مبشرا من قبل ولكن تضاعف الأزمة المالية سوف يؤثر بنسبة 100% على هذا التعمير وكان من الأفضل للحكومة القيام بتحرك فعلي وبشكل أسرع قبل ذلك بعدة سنوات لتعمير هذه المناطق ولكن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم الآن ستؤثر على الاقتصاد المصري بشكل قاطع وسوف يمنع ذلك من التنفيذ.
ويبقى ان طرح مثل هذه الأسئلة يرقى الى مرتبة السذاجة المضحكة خصوصا إذا ما علمنا ان صحراء سيناء برغم صفة الصحراء باسمها إلا أنها المدخل الجغرافي والطبيعي لأمن مصر منذ أكثر من 5000 عام وان الحفاظ عليها لا يقل أهمية عن الحفاظ على كل ذرة تراب في الدلتا او في الصعيد او مطلق ارض تمتد إليها الجغرافيا المصرية.
المصدر : الحقيقة الدولية ـ مركز الدراسات والبحوث -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق